الاثنين، 7 يونيو 2010

الثمــن

الثمــن



كل شئ له ثمن، سواء فى السماء أو على الأرض.

فهكذا يقتضى العدل: عدل الرب، والعدالة الأرضية أيضاً

الحرية مثلاً لها ثمن. وقد صدق الشاعر فى قولة

وللحرية الحمراء بابُُ بكل يد مضرّجة تُدقُّ

أى مضرجة بالدم، دم الذين جاهدوا ليحصلوا عليها

حرية العبيد فى أمريكا، كان لها ثمن هو ثورة العبيد فى أمريكا.. وحرية السود فى جنوب أفريقيا، كان لها ثمن دفعه مانديلاً الذى احتمل السجن سنوات عديدة، حتى خرج ليكون أول شخص أسود حكم جنوب أفريقيا بعد زوال التفرقة العنصرية ونجاة مصر من الاحتلال البريطانى، كان له ثمنثمنه الثورة الجبارة التى قام بها سعد زغلول سنة 1919 بعد أن نُفى إلى سيشل هو وأصحابه. تلك الثورة الشاملة التى قامت فى مصر كلها. وأعقبها الحصول على الدستور لأول مرة سنة 1923

كذلك حصول الهند على الاستقلال بعد أن حكمتها انجلترا سنوات عديدة. هذا أيضاً كان له ثمن، هو الجهاد المضنى الذى قام بها الزعيم مهاتما غاندى، فى أصوام وفى صبر واحتمال، حتى اعترفت بريطانيا باستقلال الهند أخيراً



النجاح أيضاً – فى أى شئ – له كذلك ثمن

وثمنه التعب والجهاد. ولاينال النجاح بمجرد الرغبة فيه، فهذه الرغبة وحدها لا يمكن أن توصل إلى النجاح. وكما قال الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا

وعلى رأى المثل "من جدَّ وجد". ولا يقل أحد "لا داعىَ لأن أتعب. أنا استريح، وأنال ما أريد "عن طريق الفهلوة". فالفهلوة يأخى هى أيضاً ثمن، لمن يستطيع أن يتقنها. وحتى إن أوصلت إلى ما تسميه نجاحاً، فهو غير دائم، وقد ينكشف يضاف إلى النجاح: التفوق. وهذا لا يمكن أن يناله الإنسان إلا بجهد فائق، غير عادىالصحة أيضاً، لا يحصل عليها أحد الا بثمن

وثمنها هو مراعاة كل القواعد الصحية، وإبعاد الجسد عن كل أسباب المرض والضعف، وتقويته بما يحتاج إليه من غذاء ورياضة وهواء نقى. أما فى حالة المرض، فثمن الصحة هو العلاج اللازم والدواء، وإطاعة الارشاد الطبية واحتمال الألم. وما اكثر الثمن الذى يبذله الإنسان فى ظروف العمليات الجراحية، سواء من جهة ماله أو احتماله، والصبر حتى يُشفى. وبعد ذلك أيضاً الحرص فى فترة النقاهة خوفاً من أن ينتكس



كذلك أيضاً، كسب محبة الناس، ما أعظم الثمن الموصل إليهايحتاج الإنسان فى ذلك إلى تدريب طويل على البذل والعطاء، والثبات فى ذلك، واحتمال أخطاء الآخرين، وحسن معاملة الكل صغار وكبار، وعدم التعامل بالمثل، وعدم الخوض فى سيرة الآخرين. وإن تحدث عنهم يذكر فضائلهم وينسى ما لهم من سيئات... بهذا كله يكسب محبة الناس. كما أنه يدرس ويختبر نفسيات الذين يتصل بهم، ويتعامل مع كلِِ منهم حسب ما يناسب نفسيته

صدقونى، حتى الحب العاطفى بين فتى وفتاة، له أيضاً ثمن. والكل يذكر قصة (مجنون ليلى)

وما بذله وما احتمله وقاساه

الأمانة أيضاً لها ثمن، والطاعة كذلك لها ثمن:

الأمانة الخاصة بعفة اليد، ثمنها تدرب الشخص على ألا يأخذ شيئاً ليس من حقه، ولا يأخذ شيئاً أزيد من حقه. وهكذا يبعد تماماً عن المال الحرام، ويحترس من الرشوة بكل إغراءاتها

الأمانة فى اداء الواجب، ثمنها بذل الجهد على قدر المستطاع فى القيام بمسئولياته، وعدم التقصير فى شئ منها

أما عن الطاعة، فثمنها محبة من تطيعه، والتضحية بمشيئتك الشخصية لأجل تنفيذ مشيئته، فى نطاق مشيئة رب المجد

كذلك تكوين الثروة له ثمن، والوصول إلى السلطة له ثمن

الثروة لا تهبط على الإنسان من فوق، كعطية مجانية من السماء

وإنما تحتاج إلى جهد وتعب فى الحصول. وكثير من الناس يشتهون الثروة ويسعون إليها، ولكن لا ينالها إلا الذين تعبوا فى الحصول عليها.

السلطة ما أكثر الذين يسعون إليها ويشتهوها. ولكن الذين حصلوا عليها هم الذين تعبوا من أجلها وصبروا، حتى حصلوا على مكانة توصلهم إلى السلطة

وفى كل ذلك، ليس فقط الحصول على الثروة والسلطة، يحتاج إلى ثمن. بل كذلك الحفاظ على كلِِ منهما يحتاج إلى ثمن. لأن كثيرين من الذين حصلوا عليهما قد فقدوهما بسبب سوء الإستخدام، أو بسبب النفخة الكاذبة والكبرياء

التوبة أيضاً لها ثمن، وثمنها هو جهاد النفس ضد الخطية:

ونقصد بالخطية كل أنواعها: سواء خطايا الجسد أو الفكر أو القلب، أو خطايا اللسان أو خطايا الحواس وغير ذلك. ومن الناحية الايجابية حفظ نقاوة القلب وامتلائة بمحبة الرب. ثم الثبات فى كل ذلك، والبعد عن كل أسباب النكسة الروحية

صدقونى يا أخوتى، إن الخطية أيضاً لها ثمن

فما أكثر الذين بذلوا الجهد والمال والصحة ثمناً للخطية. ثم بعد ذلك فقدوا الكل. فلا بقى لهم جهد ولا مال ولا صحة. كما فقدوا الخطية ولم تدم لهم



أخيراً احب أن أقول: إن السماء والحياة الأخرى لها أيضاً ثمن:

وثمنها هو الإيمان السليم والحياة الطاهرة المقبولة أمام الرب. وسعيد كل من ثبت فيهما. وكل من كان فى كل حين مستعداً للقاء رب المجد، بقلب نقى شفاف

ليست هناك تعليقات: